الجمع بين الصلاتين: دليل شامل لأحكامه وشروطه في المذاهب الأربعة
من يسر الإسلام وسماحته أنه شرع الرخص لتخفيف المشقة عن المسلمين في أحوال خاصة. ومن أبرز هذه الرخص “الجمع بين الصلاتين”، وهي عبادة عظيمة ترفع الحرج وتعين المسلم على أداء فرائضه دون عناء. في هذا الدليل، نستعرض أحكام الجمع وشروطه وأسبابه المبيحة له بأسلوب مبسط وموثق.
ما هو الجمع بين الصلاتين؟
الجمع هو أن يؤدي المسلم صلاتي فرض في وقت إحداهما. وهو نوعان رئيسيان:
- جمع التقديم: وهو أن يصلي العصر مع الظهر في وقت الظهر، وأن يصلي العشاء مع المغرب في وقت المغرب.
- جمع التأخير: وهو أن يؤخر صلاة الظهر ليصليها مع العصر في وقت العصر، وأن يؤخر صلاة المغرب ليصليها مع العشاء في وقت العشاء.
أما صلاة الفجر، فلا تُجمع مع ما قبلها ولا مع ما بعدها بإجماع العلماء.
الأسباب المبيحة للجمع
أجاز جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة الجمع بين الصلاتين لأعذار محددة ترفع المشقة عن المسلم، ومن أهمها:
- السفر: وهو السبب الذي أجمع عليه الفقهاء تقريبًا، استدلالًا بأحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع في أسفاره. ويشترط أن يكون السفر طويلًا مباحًا (سفر طاعة أو سفر مباح).
- المطر والبرد الشديد: يجوز الجمع بسبب المطر الذي يبل الثياب وتصعب معه العودة إلى المسجد، وكذلك في حالة البرد الشديد والريح العاصفة ليلًا. وهذا مذهب الجمهور تخفيفًا على المصلين.
- المرض: إذا كان في أداء كل صلاة في وقتها مشقة شديدة على المريض، فيجوز له الجمع. القاعدة في ذلك هي “المشقة تجلب التيسير”.
- الحاجة والعذر الطارئ: توسع الحنابلة وبعض الفقهاء المعاصرين في إجازة الجمع للحاجة الشديدة التي قد تعرض المسلم لتفويت الصلاة، مثل الطبيب الذي يجري عملية جراحية طويلة، أو الطالب في وقت امتحان حاسم.
كيفية الجمع بين الصلاتين
لصحة الجمع شروط يجب مراعاتها عند الأداء، وهي:
- النية: يجب أن ينوي المسلم الجمع عند بدء الصلاة الأولى (في جمع التقديم)، أو أن ينوي تأخير الصلاة الأولى ليجمعها مع الثانية قبل خروج وقتها (في جمع التأخير).
- الترتيب: يجب أن يصلي الظهر أولًا ثم العصر، والمغرب أولًا ثم العشاء.
- الموالاة (في جمع التقديم): أن يصلي الصلاتين متتابعتين دون فاصل زمني طويل بينهما.
خلاصة آراء المذاهب الفقهية
تختلف المذاهب في تفاصيل الأعذار المبيحة للجمع، ويمكن تلخيصها كالتالي:
- المذهب الحنفي: لا يجيزون الجمع الحقيقي (تقديمًا أو تأخيرًا) إلا في عرفة ومزدلفة للحاج. وما ورد في الأحاديث يحملونه على “الجمع الصوري”، وهو تأخير الصلاة الأولى لآخر وقتها وتقديم الثانية لأول وقتها.
- المذهب المالكي: يجيزون الجمع في السفر والمطر والطين الشديد، وللمريض.
- المذهب الشافعي: يجيزونه في السفر والمطر، وللمريض بشروط.
- المذهب الحنبلي: هم أوسع المذاهب في الأعذار المبيحة للجمع، فيجيزونه للسفر والمرض والمطر والريح الباردة، ولكل من يلحقه مشقة بترك الجمع.
إن معرفة هذه الأحكام تمنح المسلم مرونة وسعة في عبادته، وتؤكد على أن هذا الدين يسر لا عسر، قائم على رفع الحرج والمشقة عن الناس.
المصادر والمراجع للاستزادة:
- المغني، لابن قدامة المقدسي.
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد الحفيد.
- الموسوعة الفقهية الكويتية، (مادة: جمع).
- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي.