الشكر: مفتاح السعادة وبوابة المزيد

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله على نعمٍ تتوالى وتتجدد في كل لحظة، في السراء والضراء، وفي المنشط والمكره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، علمنا كيف نكون من الشاكرين. أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، واشكروه على ما أولاكم من نعم.

موضوعنا اليوم، أيها المؤمنون، هو عبادة عظيمة، وخلق كريم، وصفة من صفات الأنبياء والصالحين. إنها عبادة “الشكر”، التي يغفل عنها الكثيرون في خضم مشاغل الحياة، مع أنها سر الطمأنينة ومفتاح الزيادة والبركة.

بحر النعم الذي نعيش فيه

لو جلس أحدنا يتفكر في نعم الله عليه، لما استطاع أن يحصيها. قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا). نعمة الإسلام التي هي أعظم النعم، ونعمة الوجود والحياة، ونعمة الصحة والعافية، ونعمة السمع والبصر، ونعمة الأهل والولد، ونعمة الأمن والأمان.

كل نفس نتنفسه هو نعمة، وكل نبضة قلب هي منة، وكل لقمة نأكلها هي فضل. لكننا لفرط اعتيادنا على هذه النعم، نسينا أنها عطايا تستحق الشكر في كل حين. إن أول خطوة نحو الشكر هي استشعار هذه النعم والاعتراف بها، وألا نعتبرها حقًا مكتسبًا بل فضلًا من الله محضًا.

كيف نكون من الشاكرين حقًا؟

إن الشكر ليس مجرد كلمة “الحمد لله” تقال باللسان، بل هو منهج حياة متكامل يشمل القلب واللسان والجوارح.

  • شكر القلب: وهو أساس الشكر، ويعني الاعتراف الكامل بأن كل نعمة هي من الله وحده، والشعور بالمحبة والامتنان له سبحانه.
  • شكر اللسان: وهو التحدث بنعم الله والثناء عليه بها، كما قال تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ). أن تقول “الحمد لله” بلسانك وقلبك حاضر.
  • شكر الجوارح (الأعضاء): وهو الأثر العملي للشكر، ويكون باستخدام هذه النعم في طاعة الله. فشكر نعمة البصر ألا تنظر به إلى حرام، وشكر نعمة المال أن تنفق منه في سبيل الله، وشكر نعمة القوة أن تعين بها الضعيف.

ثمار الشكر في الدنيا والآخرة

عندما نلتزم بعبادة الشكر، فإننا نجني ثمارًا عظيمة وعدنا الله بها.

  1. الزيادة والبركة: أعظم وعد قطعه الله للشاكرين هو المزيد. قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ). هذه الزيادة ليست في المال فقط، بل في الصحة والبركة والراحة النفسية وكل خير.
  2. رضا الله ومحبته: الشكر هو من أحب الأعمال إلى الله، فهو سبحانه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، وأن يسمع حمده وثناءه.
  3. النجاة من العذاب: جعل الله الشكر أمانًا من عذابه، فقال: (مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ).
  4. السعادة والطمأنينة: الإنسان الشاكر هو إنسان متفائل، يرى الجانب المشرق في حياته، ويركز على ما يملك لا على ما يفقده، وهذا يورثه قناعة ورضًا وسعادة داخلية لا تقدر بثمن.

المصادر والمراجع للاستزادة:

  • تفسير القرآن العظيم، لابن كثير.
  • رياض الصالحين، للإمام النووي (باب الشكر).
  • مدارج السالكين، لابن قيم الجوزية (منزلة الشكر).