زكاة الأسهم والصناديق الاستثمارية: دليلك الفقهي الشامل

أصبحت الأسهم والصناديق الاستثمارية جزءًا أساسيًا من عالم المال والأعمال في عصرنا الحالي، ومع تزايد إقبال المسلمين على هذه الأدوات الاستثمارية، يبرز تساؤل فقهي جوهري: كيف يتم إخراج الزكاة عنها؟ هذا الدليل يقدم إجابة مفصلة ومنهجية مستمدة من قرارات المجامع الفقهية المعتبرة.

صورة تعبيرية لأسواق المال والأسهم
صورة تعبيرية لأسواق المال والأسهم

فهم الطبيعة الفقهية للسهم

قبل الخوض في تفاصيل حساب الزكاة، من الضروري فهم ما يمثله السهم من منظور فقهي. السهم ليس مجرد ورقة مالية، بل هو حصة شائعة في أصول وموجودات الشركة. هذا يعني أن مالك السهم هو شريك في الشركة بقدر عدد الأسهم التي يملكها، وله حصة في كل ما تملكه من سيولة نقدية، وديون، ومخزون سلعي، وأصول ثابتة. هذا التكييف الفقهي هو حجر الزاوية الذي يُبنى عليه الحكم.

النية تحدد طريقة حساب الزكاة

فرّق الفقهاء المعاصرون والمجامع الفقهية بين حالتين أساسيتين لمالك الأسهم، بناءً على نيته من الشراء، ولكل حالة طريقة حساب مختلفة:

الحالة الأولى: نية المضاربة (التجارة)

إذا كان الهدف من شراء الأسهم هو المتاجرة بها لتحقيق ربح من تقلبات أسعارها في السوق (شراء وبيع على المدى القصير)، فإن هذه الأسهم تأخذ حكم عروض التجارة.

  • طريقة الحساب: يقوم المالك في نهاية حوله الزكوي (السنة الهجرية) بحساب القيمة السوقية لجميع الأسهم التي يمتلكها، ثم يخرج منها ما نسبته 2.5% (ربع العشر).
  • مثال عملي: شخص يمتلك أسهماً للمضاربة، وفي يوم استحقاق زكاته كانت قيمتها السوقية الإجمالية 100,000 ريال. الزكاة الواجبة هي: 100,000 × 2.5% = 2,500 ريال.

الحالة الثانية: نية الاستثمار (الاقتناء)

إذا كان الهدف هو الاحتفاظ بالأسهم على المدى الطويل للحصول على الأرباح والتوزيعات السنوية (العوائد)، وليس بيعها، فهنا تختلف طريقة الحساب. في هذه الحالة، الزكاة تجب على الأصول الزكوية للشركة نفسها وليس على القيمة السوقية للسهم.

ولأن حساب ذلك بدقة قد يكون صعباً على المستثمر الفرد، وضعت الهيئات الفقهية حلولاً عملية:

  1. إذا كانت الشركة تخرج الزكاة: إذا كانت الشركة تلتزم بإخراج الزكاة عن أصولها نيابة عن المساهمين، فقد برئت ذمة المساهم، ولا تجب عليه زكاة أخرى على أصل السهم. يتبقى عليه فقط أن يزكي الأرباح الموزعة إذا استلمها وحال عليها الحول وبلغت نصاباً.
  2. إذا كانت الشركة لا تخرج الزكاة: وهذا هو الحال في معظم الشركات، فيجب على المساهم إخراج زكاته بنفسه. وأمامَهُ طريقان:
    • الطريق الأدق (إن أمكن): الرجوع إلى القوائم المالية للشركة ومعرفة نسبة الأصول الزكوية (مثل النقد والمخزون) من إجمالي الأصول، ثم حساب هذه النسبة من القيمة السوقية لأسهمه وإخراج 2.5% منها. هذا الطريق يتطلب خبرة مالية وقد يكون معقداً.
    • الطريق الأيسر (وهو المعتمد لدى الكثيرين): للتبسيط على عامة الناس، أجازت العديد من الهيئات الفقهية معاملة هذه الأسهم أيضاً معاملة عروض التجارة، فيقوم المستثمر بحساب قيمتها السوقية يوم وجوب الزكاة ويخرج 2.5% منها. هذا الرأي فيه احتياط وإبراء للذمة وهو أيسر في التطبيق.

زكاة الصناديق الاستثمارية

الصناديق الاستثمارية هي وعاء يجمع أموال المستثمرين لشراء مجموعة متنوعة من الأصول. تنطبق عليها نفس الأحكام السابقة تماماً:

  • إذا كان الصندوق مخصصاً للمتاجرة بالأسهم، فتجب الزكاة على كامل القيمة السوقية لوحدات المستثمر بنسبة 2.5%.
  • إذا كان الصندوق استثمارياً طويل الأجل، فالأصل أن تقوم إدارة الصندوق بحساب الزكاة وإخراجها. فإن لم تفعل، يقوم صاحب الوحدات بتقدير قيمتها السوقية يوم وجوب الزكاة ويخرج 2.5% منها، من باب التيسير والاحتياط.

خلاصة ومصادر

لتسهيل الأمر، يمكن تلخيص الأحكام في النقاط التالية:

  • المضارب (المتاجر): يزكي بنسبة 2.5% على القيمة السوقية للأسهم.
  • المستثمر (المقتني): إذا كانت الشركة لا تزكي، فالأيسر والأسلم له أن يزكي بنسبة 2.5% على القيمة السوقية لأسهمه أيضاً.

هذه الأحكام مبنية على قرارات وتوصيات هيئات فقهية معتمدة، وهي تسعى لتحقيق مقاصد الشريعة في تطهير المال وتحقيق النماء والبركة.


المصادر والمراجع المعتمدة:

  • قرارات المجمع الفقهي الإسلامي الدولي.
  • المعايير الشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI).
  • فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.
  • كتاب “فقه الزكاة” للدكتور يوسف القرضاوي.